loader image

رشوة الشيخين جابر المبارك وأحمد المشعل بالملايين

من الموانئ إلى بنما: خيوط الرشاوى تتقاطع عند السلطة والمال

رشوة الشيخين جابر المبارك وأحمد المشعل بالملايين

 

 

بعد النجاح اللافت للحلقة الأولى التي قدّمها الإعلامي الدكتور عبدالله الصالح، والتي كشفت تورط الشيخ أحمد مشعل الأحمد، رئيس جهاز متابعة الأداء الحكومي، في قضية رشوة موثقة بالأدلة البنكية والعقود، جاءت هذه الحلقة التكميلية لتوسّع المشهد وتكشف عن أبعاد أعمق في شبكة الفساد المرتبطة بالحكومة، وتسلط الضوء على شخصيات أخرى، أبرزها الشيخ جابر المبارك، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، إلى جانب الكشف عن تلقي المستشار حيدر الحرز، محامي الدولة في الفتوى والتشريع، مبالغ مالية مشبوهة. لم تكن الحلقة مجرد سرد اتهامات، بل جاءت مدعومة بوثائق رسمية، وتحويلات بنكية بمبالغ محددة، وعقود تُظهر نسبا مالية دقيقة، نُشرت جميعها للرأي العام على موقع "تسريبات عبدالله الصالح"، ما وضع الحكومة في زاوية حرجة أمام أسئلة الشارع الكويتي.

 

 

 

 

بين خطاب النزاهة وواقع الفساد 

رغم ما ترفعه الحكومة من شعارات عن مكافحة الفساد والترويج لخطاب النزاهة، تنكشف فضيحة سياسية ومالية هائلة تعود إلى عام 2013، تورّط فيها رئيس جهاز متابعة الأداء الحكومي الشيخ أحمد مشعل الأحمد، الذي وُجهت إليه اتهامات بتلقي رشوة من شركة كي جي ال "KGL" بلغت قيمتها مليون وأربعمائة ألف دولار أمريكي. وتشير الوثائق الرسمية إلى تحويل هذا المبلغ إلى حسابات مصرفية في دولة بنما، استنادا إلى عقد يمنحه نسبة 0.04% مقابل تسهيل تحصيل أموال ضخمة من صندوق الموانئ. أما الشركة، التي ترتبط بلوبيات أمريكية تعمل ضد المصالح الكويتية، ولها كذلك ارتباطات مباشرة بجهات إيرانية، فقد أصبحت رمزا لاختراق سيادي فاضح، وسط صمت حكومي مطبق وعدم صدور أي توضيح أو نفي رسمي. استمرار الصمت الرسمي لم يكن إلا مؤشرا إضافيًا على عمق الأزمة التي لا تهدد المال العام فحسب، بل تطال استقلال القرار السياسي الكويتي أيضا.

 

 

رشوة جابر المبارك: صفقات الظل على رأس السلطة 

كشفت الحلقة عن وثائق تعود إلى عام 2013 تشير إلى تورط الشيخ جابر المبارك، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، في تلقي رشوة من شركة كي جي ال "KGL" بلغت قيمتها ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار أمريكي. وقد جرى تحويل هذه الأموال إلى حسابات مصرفية في دولة بنما، مقابل تسهيل تحصيل أموال من صندوق الموانئ، وكانت النسبة التي حصل عليها نظير ذلك تبلغ 0.1%. وتكمن خطورة هذا الاتهام في كونه يمس رأس السلطة التنفيذية الأسبق، ويكشف عن تواطؤ على أعلى المستويات. ومع وفاة جابر المبارك لاحقا، فإن القاعدة القانونية التي تنص على أن المال العام لا يسقط بالتقادم أو الوفاة تبقى سارية، كما استندت الدولة سابقا في ملاحقة أموال فهد الرجعان إلى قوانين مماثلة.

 

وتشير هذه السابقة أيضا إلى ما تنص عليه القوانين الدولية، وعلى رأسها قانون العوائد الإجرامية البريطاني لعام 2002، المعروف اختصارا بـPOCA (Proceeds of Crime Act)، والذي يتيح للدولة مصادرة الأموال غير المشروعة حتى بعد وفاة المتهم أو مرور سنوات على ارتكاب الجريمة، ما دام المال العام قد تم نهبه. وهو ما يؤكد أن ملاحقة هذه الأموال واستردادها يجب أن تبقى أولوية لا يسقطها عامل الزمن ولا الاعتبارات السياسية.

 

 

 

 

رشوة حيدر الحرز: سقوط ممثل الدولة في وحل الخصومة

أخطر ما تضمّنته الحلقة هو تورط المستشار حيدر الحرز، محامي الدولة في إدارة الفتوى والتشريع، في تلقي رشوة نقدية بقيمة مائة وخمسين ألف دينار كويتي من شركة كي جي ال "KGL"، وقد سُلّمت له كاش باليد، رغم كونه الممثل القانوني الرسمي للدولة في النزاع القضائي ضد الشركة ذاتها. الوثائق المنشورة تؤكد الواقعة وتكشف عن الدفعة المباشرة من الطرف الخصم، ما يشكل تضاربا فادحا في المصالح ويفتح الباب لمساءلة قانونية وأخلاقية جادة. فعندما يتحوّل محامي الدولة إلى مستفيد من خصمها، تنهار منظومة العدالة من داخلها، ويُشكّك في نزاهة من يفترض أنه خط الدفاع الأول عن المال العام.

 

 

الشيخ الذي لا يُحاسب

تتكرّس في هذه الفضيحة مقولة أطلقها الصالح: "الشيخ الذي يُحاسب ليس شيخا، والشيخ الحقيقي هو من يسرق ولا يُلمس". مفهوم المشيخة هنا لا ينبع من القانون، بل مما يفرضه الواقع الذي يعفي أبناء الطبقة الحاكمة من المحاسبة. فبينما يُسجن النشطاء والمواطنون لأسباب بسيطة، لا يُلمس أصحاب الملايين المنهوبة من المال العام.

 

 

أدوات التضليل الإعلامي في الواجهة 

في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، تحركت بعض وسائل الإعلام الموالية للحكومة لتلميع الصورة، عبر تصريحات مكررة مثل ما أطلقه جاسم بودي، مالك صحيفة «الراي» الكويتية ورئيس مجلس إدارة مجموعة الراي الإعلامية: "نار الإصلاح ستحرق كل الفاسدين"، في خطاب أقرب إلى المبالغة المسرحية منه إلى الموقف الجاد. والمفارقة أن بودي نفسه كان قد صرّح سابقًا بأن "من يحكم الكويت هو حقل برقان"، في عبارة أثارت حينها جدلًا واسعا وشكّلت تشكيكا صريحا في شرعية الحكم، ومع ذلك لم يُحاسب، بل استُدعي لاحقا كناطق باسم مكافحة الفساد.

 

 

دعوات للإصلاح أم تهديدات مبطنة؟ 

بالتزامن مع هذا الانكشاف، خرج وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف بتصريحات يتوعد فيها أصحاب الرأي في الخارج بسحب الجنسيات وملاحقتهم، بينما لم يُحرّك ساكنا تجاه المدانين الهاربين من تنفيذ أحكام السجن في كبرى قضايا المال العام، وعلى رأسها قضية كي جي ال "KGL". فلماذا لم يُقبض حتى الآن على عبدالله الشمالي، الهارب إلى البرازيل؟ ولماذا لم تُتخذ أي إجراءات بحق علي دشتي، الهارب رسميا إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ هؤلاء هم من يتصدرون قائمة أولويات الشعب الكويتي في استعادة الحقوق، لا ملاحقة الكلمة. بل إن شركة كي جي ال نفسها لم تُلزم حتى اللحظة بدفع الغرامات المستحقة لصالح الدولة، والتي تقارب مليار دينار كويتي، ولم تُسترد منها حتى أرض ميناء عبدالله التي لا تزال محتلة رغم صدور أحكام نهائية. فأين هي دولة القانون؟ وأي إصلاح يُرجى إذا كان رأس الفساد محصنا أكثر من صوت الحقيقة؟

 

 

العدالة لا تعرف الألقاب

ما عاد الكويتيون يطالبون بحلم الإصلاح، بل يصرخون في وجه واقع مختلّ تتقاعس فيه الحكومة عن تطبيق القانون على من نهب المال العام، وتُطارد فيه الكلمة الحرة وتُهدد أصحاب الرأي، بينما يظل المدانون بأحكام نهائية طلقاء، وأموال الدولة المهدرة طي النسيان. لن يكون هناك إصلاح طالما بقي الفاسد في مأمن من المحاسبة، وظل صوت الناقد أكثر استهدافا من يد السارق. العدالة إن لم تُطبّق على الجميع، لا تستحق أن تُسمّى عدالة.

 

 

في المرفق عقد الاستشارات والتحويل البنكي ورشوة الحرز