رشوة الشيخ أحمد المشعل الصباح المليونية
يستغل منصبه لاستلام الرشاوى في حساب بنما
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
أثار الإعلامي الدكتور عبد الله الصالح، في أحدث حلقة بعنوان "رشوة الشيخ أحمد المشعل"، قضية شائكة تتعلق بشبهات فساد مالي وإداري تطال الشيخ أحمد مشعل الأحمد، أحد أبناء سمو الأمير. وقد اعتمد الصالح على وثائق رسمية وتحويلات مالية، مطالبا بفتح تحقيقات عاجلة ومحاسبة عادلة.
الالتزام السياسي والوطني
منذ صدور العفو الأميري بحق عبد الله الصالح، حافظ على الالتزام بعدم انتقاد القيادة السياسية بصورة مباشرة، معتبرا أن النقد يجب أن يُوجه في إطاره المؤسسي. غير أن تواتر المعطيات، وظهور مستندات ذات دلالة مالية وإدارية خطيرة، دفعه إلى تسليط الضوء على هذه القضايا التي تتعلق بأحد أبناء الأمير.
عقود واستشارات: علاقة مباشرة مع شركة كي جي ال "KGL"
تُظهر المستندات عقدا استشاريا يعود إلى عام 2013 بين الشيخ أحمد مشعل الأحمد وشركة KGL، ينص على تقديم خدمات استشارية مقابل نسبة بلغت 0.04% من العائدات. وتوثق السجلات تحويلا ماليا بقيمة مليون وأربعمائة ألف دولار إلى حسابه المصرفي في بنما، وهي دولة تُعرف بأنها ملاذ مالي تستخدمه الشركات والشخصيات المتنفذة لتجنّب الرقابة. وتُعد هذه العلاقة مثالا صارخا على تضارب المصالح، والرشوة المباشرة، خصوصا أن الشيخ أحمد لايزال يشغل منصب رئيس جهاز متابعة الأداء الحكومي، والذي يراقب بدوره على مؤسسة الموانئ الكويتية، الجهة التي كانت في نزاع قانوني مع الشركة نفسها.
بيان جهاز الأداء الحكومي: نفي مقابل توثيق
في بيان رسمي، نفى جهاز متابعة الأداء الحكومي وجود علاقة غير قانونية بين الشيخ أحمد مشعل الأحمد وشركة KGL، كما ادعى عدم وجود أي ملكية مباشرة أو غير مباشرة له في الشركة لكن الوثائق المتاحة تكشف تناقضات واضحة، أبرزها أن الشركة أُحيلت للتحقيق من قبل الشيخ يوسف العبدالله بتاريخ 2 نوفمبر 2015، بينما ادعى البيان أن الشيخ أحمد هو من قام بذلك في 17 ديسمبر من العام ذاته. كما تؤكد المعلومات المتداولة أن الشيخ أحمد يملك حصة غير مباشرة في الشركة من خلال أحد أقاربه، إما شقيقه أو والده، مما يشكل تضارب مصالح واضح يتعارض مع مسؤوليته الرقابية.
ويضاف إلى ذلك أن البيان أشار إلى انتهاء اكتتاب صندوق الموانئ في 3 مارس 2016، في حين تشير الوثائق الرسمية إلى أن الاكتتاب استمر حتى عام 2017، ما يفضح محاولة بائسة لتضليل الرأي العام والتستر على الحقائق. وحيث أن هذا التناقض يضعف مصداقية الدفاع الرسمي، ويعزز شبهات التستر.
ازدواجية في تطبيق القانون: تساؤلات مشروعة
تُطرح تساؤلات محورية حول مدى التزام الدولة بمبدأ العدالة والمساواة في تطبيق القانون. ففي الوقت الذي خضع فيه عدد من أفراد الأسرة الحاكمة للمساءلة، لم يُفتح حتى الآن أي تحقيق في ملف الشيخ أحمد رغم ما كُشف من وثائق.
عدالة انتقائية وسقوط الأقنعة
شملت قائمة من تمت ادانتهم: الشيخ صباح جابر المبارك في قضية الصندوق الماليزي، الشيخ مازن الجراح في قضية النائب البنغالي، الشيخ خالد الجراح في قضية صندوق الجيش، الشيخ أحمد الخليفة في قضية ضيافة الداخلية، والشيخ طلال الخالد في قضية المصروفات السرية بوزارة الداخلية، إضافة إلى الشيخ أحمد الفهد الذي يواجه اتهامات في قضايا المصروفات السرية بوزارة الدفاع. وفي المقابل، لم تُتخذ أي إجراءات تجاه الشيخ أحمد رغم توافر الأدلة، ما يكرّس صورة صارخة لانهيار معايير العدالة، ويُعمّق شعور المواطنين بأن المحاسبة باتت امتيازا لا مبدأ.
دعوة إلى المحاسبة: وثائق في متناول القضاء
تعيد هذه القضية الى الواجهة تصريح وزير العدل السابق عبد الله الرومي في يوليو 2021، حين قال: "ليس لدى النيابة العامة أي بلاغات عن وثائق بنما". واليوم، بعد نشر وثائق واضحة تشمل تحويلات ومراسلات رسمية، لم يعد هناك مبرر للتقاعس وأن أي تجاهل لهذه الأدلة سيُفهم على أنه حماية لفئة معينة على حساب القانون والعدالة.
العدالة مطلب شعبي
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِ﴾ [النساء: 58]. وقال رسول الله ﷺ: "إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" (رواه البخاري).
إن ملف الرشوة الذي يحيط بالشيخ أحمد مشعل الأحمد ليس مجرد حالة فردية، بل هو مقياس لجدية الدولة في محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين أياً كانت مناصبهم أو أسماؤهم. وما نُشر من وثائق وتحويلات ليس مجرد اتهام، بل دعوة مفتوحة أمام النيابة العامة والقضاء الكويتي لتطبيق القانون دون استثناء.
فإما أن تتقدم الدولة بخطوة شجاعة وتفتح هذا الملف بما يحمله من وثائق دامغة، وإما أن تستمر في نهج الانتقائية الذي سيؤدي حتما إلى تقويض الثقة الشعبية بالمؤسسات.
فالكويت لا يمكن أن تبنى بعدالة انتقائية، بل بحقيقة واحدة تطبق على الجميع: أن لا أحد فوق القانون.
في المرفقات: عقد الاستشارات والتحويل المالي ومحضر التحقيق