سحب الجنسية بين الكويت والسعودية
مقارنة بين العدالة والمزاج
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
في زمنٍ تتعالى فيه الأصوات مناديةً بالإصلاح، تصبح مسألة الجنسية ليست مجرد وثيقة، بل عنوان انتماء، ورمز علاقة بين الدولة وأبنائها. بيد أن حين تتحول هذه الوثيقة إلى أداة تهديد، فثمة تساؤلات ملحّة يجب طرحها: ما هي ضوابط سحب الجنسية؟ وهل تُستخدم أحيانا كوسيلة عقاب بدل أن تكون مسألة قانونية خالصة؟
من وجهة نظر قانونية وأخلاقية، ثمة ثلاث حالات فقط تستوجب سحب الجنسية، وهي:
الخيانة العظمى: وهي حالة نص عليها القانون بوضوح، وتنطبق على من يتورط في أعمال تمس أمن الدولة بشكل مباشر، كمن ينتمي لتنظيمات إرهابية أو يعين عدوا خارجيا.
التزوير والتزييف: كمن حصل على الجنسية عن طريق الكذب والتلاعب بالحقائق والوثائق.
الازدواجية: من يحمل جنسية أخرى، وقد نص القانون على سحب الجنسية في مثل هذه الحالة، وإن كان البعض يرى أن هذا النص بحاجة لمراجعة وتطبيق عادل على الجميع.
انطلاقا من مراقبة الواقع، يمكن تصنيف حالات سحب الجنسية – خارج نطاق القانون – إلى خمسة أقسام، تُمارس أحيانا تحت ذرائع غير قانونية أو شُبُهات سياسية.
حالات واضحة كحالة سليمان بوغيث، الناطق باسم القاعدة، أو هاني حسين الذي انضم إلى صدام حسين، تؤكد أن القانون يطبق بصرامة حين يتعلق الأمر بالخيانة الوطنية.
شهدنا في سنة 2014 سحب جنسيات شخصيات معارضة بذرائع سياسية، كما حدث مع النائب السابق عبدالله البرغش والشيخ نبيل العوضي ورئيس تحرير جريدة عالم اليوم أحمد الجبر والإعلامي سعد العجمي. سُحبت هوياتهم، ثم أُعيدت، وكأن الجنسية تُمنح وتُسحب حسب المزاج السياسي. كيف يُعقل أن يُجرد مواطن من حقه في الانتماء بسبب موقف سياسي، ثم تُعاد إليه الجنسية وكأن شيئا لم يكن؟
رغم أن القانون ينص على سحب الجنسية من مزدوجي الجنسية، فإن التطبيق يبدو انتقائيا، مما يثير تساؤلات حول العدالة والمساواة أمام القانون. فإذا كانت القاعدة تُطبق على البعض، فكيف نبرر الإبقاء على جنسيات آخرين يحملون جنسيات أوروبية أو غيرها دون مساس؟
وهنّ النساء اللاتي دخلن تحت مظلة المادة الثامنة من قانون الجنسية الكويتي، والتي تُتيح للزوجة الأجنبية أن تُمنح الجنسية الكويتية بعد زواجها من مواطن كويتي، بشرط تنازلها عن جنسيتها الأصلية. كثيرات منهنّ لم يتقدمن بطلب الجنسية بدافع مصلحة شخصية، بل حبا وارتباطا بهذا الوطن، ورغبةً في أن يتمكن أبناؤهن لاحقا من دخول المؤسسة العسكرية أو الاستفادة من حقوق المواطن الكويتي كاملة.
لكن المأساة تظهر حين تُسحب جنسية قرابة 40 ألف منهن، رغم أنهن لم يرتكبن جرما ولا مخالفة، فيتركن دون جنسية ولا انتماء، محرومين من كل حقوقهن الدستورية، بلا ذنب سوى أن احداهن اختارت أن تكون "كويتية". فأي عدالة تُبرر هذا المصير؟
منحهم الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجنسية تقديرا لعطائهم في مجالات الفن والثقافة، كالفنانة نوال وداوود حسين. واليوم، تُسحب منهم الجنسية دون مبرر قانوني، ولا حتى ازدواجية. أين الاحترام لقرار الأمير آنذاك؟ وأين التقدير لمن بنوا مركزا قانونيا ووطنيا استمر لعقود؟
شباب نشؤوا ككويتيين، تلقوا التعليم، عملوا، تزوجوا من كويتيات، ثم سُحبت منهم الجنسية، فأصبح مستقبلهم معلقا في الفراغ. كيف تُبنى حياة قانونية، ثم تُهدم بلا مقدمات؟ ماذا عن أبنائهم؟ وماذا عن زوجاتهم؟ وأي ذنب ارتكبوه سوى أنهم وُلدوا من أمهات كويتيات؟
في تصريح لوزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف على قناة الراي، قال إن من "يتحدث عن رموز الدولة" من الخارج يستحق سحب الجنسية. لكن من هم الرموز؟ وأين حدود التعبير؟ وإذا كان الداخل مليئا بالشائعات الصحفية والتجاوزات، فلماذا يُحاسب من هم في الخارج على مجرد كلمات؟
فلننظر إلى السعودية، التي لم تلجأ إلى سحب الجنسية إلا في حالات نادرة واستثنائية، أبرزها:
أسامة بن لادن، الذي سُحبت منه الجنسية رسميا في 3 أبريل 1994، بعد تورطه في أعمال تهدد أمن المملكة وتأسيسه لتنظيم القاعدة.
حمزة بن لادن، نجل أسامة، والذي سُحبت منه الجنسية في 1 مارس 2019، بعد ظهوره كقيادي في التنظيم ذاته، وملاحقته من قبل الحكومة الأمريكية.
ورغم وجود معارضين سعوديين في الخارج، بل بعضهم يطالب علنا بإسقاط النظام، فإن المملكة لم تعتبر ذلك خيانة عظمى، ولم تتعامل معهم بردود فعل عقابية.
بل على العكس، صرّح رئيس أمن الدولة السعودي – نقلا عن الأمير محمد بن سلمان – بأن المعارضين في الخارج "حياهم الله"، دون عقاب ولا ملاحقة، في موقف يحمل الكثير من الحكمة السياسية، ويؤكد أن الدولة تطبق سياسة “الاحتواء".
الدولة – في فلسفتها الأسمى – أمٌ لا تحمل الحقد، ولا تُشهر سيف العقوبة ضد أبنائها. إن أخطأوا، فالمحاكم والقانون، لا التهديد بسحب الهوية، هو السبيل. الدولة لا ينبغي أن تكون نِدًّا لمواطنيها، بل حضنا يحتويهم، حتى حين يخطئون.
ليتنا نتعلم من سياسة العفو، التي انتهجها الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد -طيب الله ثراه-، حين سامح من أساؤوا إليه قائلا: "هؤلاء أبنائي، وقد سامحتهم"، فما أروعها من عبارة، وما أسماها من قيادة.
هذه ليست دعوة للتساهل مع الجريمة أو التسامح مع الفساد، بل دعوة للتمييز بين من يُخطئ ومن يُعارض، بين من يهدد أمن الدولة ومن يطالب بالإصلاح.
فالهوية الوطنية، يا سادة، لا تُسحب إلا بقانون عادل، ولسبب جليّ، وبعد محاكمة عادلة. وإلا، فإننا نفتح الباب للفوضى، ونشرخ الثقة بين المواطن والدولة.