loader image

افلاس أموال الأيتام في هيئة شؤؤن القصر

فساد موثق في شركة ريم العقارية وأموال مهدرة

افلاس أموال الأيتام في هيئة شؤؤن القصر

 

لطالما كانت رعاية الأيتام وحفظ حقوقهم المالية من القيم الأساسية التي أكد عليها الإسلام، كما جاء في قوله تعالى: "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ". إلا أن الواقع في هيئة شؤون القصر، الجهة المسؤولة عن إدارة وتنمية أموال الأيتام، يعكس صورة مختلفة تماما، حيث كشفت الحقائق عن فساد مالي وإداري، وتعيينات غير كفؤة، وقرارات خاطئة تسببت في خسائر مالية بملايين الدنانير. الأسوأ من ذلك هو أن هذه الأوضاع مستمرة دون حلول جذرية، مما يثير التساؤلات حول مستقبل أموال الأيتام ومدى قدرة الهيئة على حمايتها.

 

ما هي هيئة شؤون القصر؟

تأسست هيئة شؤون القصر في 21/04/1939 في عهد الشيخ/ أحمد الجابر الصباح رحمه الله وكان أول مدير لها الشيخ/ عبدلله السالم الصباح رحمه الله، كجهة حكومية مستقلة تُعنى برعاية وإدارة أموال الأيتام، إضافة إلى القُصَّر ومن في حكمهم ممن لا يستطيعون التصرف في أموالهم بأنفسهم، وذلك وفقا للشريعة الإسلامية والقوانين المنظمة. ويقع على عاتقها مسؤولية حفظ وتنمية هذه الأموال، واستثمارها بالشكل الذي يضمن تحقيق أفضل العوائد الممكنة لمصلحة القصر.

إلى جانب ذلك، تمتلك الهيئة صلاحيات الإشراف على أموال المشمولين برعايتها، بما في ذلك الوصايا والهبات والتبرعات التي تُقدم لصالح الأيتام، إضافة إلى استثماراتها في قطاعات مختلفة، من بينها العقارات والأسهم. ورغم أن الهدف الأساسي من هذه الهيئة هو حماية أموال القصر وتنميتها، إلا أن التقارير الأخيرة تشير إلى إخفاقات كبيرة في تحقيق هذه الغاية، بسبب الفساد الإداري والمالي الذي أصبح يشكل تهديدا لهذه الثروة.

 

Click here to watch the video: https://www.youtube.com/embed/GuX7KS1uGMM

 

ما هي شركة ريم العقارية؟

شركة ريم العقارية هي إحدى الشركات الاستثمارية التي أُسست عام 1992، وكانت تُعتبر ذراعا استثماريا مهما لهيئة شؤون القصر، حيث تقوم بإدارة قرابة 35 مليون دينار من أموال الأيتام، بالإضافة إلى أموال الأمانة العامة للأوقاف والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية. وكانت الشركة مسؤولة عن استثمار هذه الأموال في قطاع العقارات وإدارة المحافظ الاستثمارية لتحقيق أرباح تساهم في تنمية هذه الثروات.

في بداياتها، كانت الشركة تُدار بكفاءة، وساهمت في تحقيق عوائد جيدة من خلال استثماراتها العقارية. لكنها بدأت في الانحدار عندما تم تعيين أشخاص غير متخصصين في مواقع قيادية داخلها، ما أدى إلى اتخاذ قرارات خاطئة، والتسبب في خسائر مالية كبيرة.

من أبرز الأخطاء التي ارتُكبت هو تعيين عبد اللطيف السنان، وهو شخص لا يمتلك أي خلفية مالية أو استثمارية، في مجلس الإدارة، حيث كانت حقبته موصومة بالتراجع وأدت الى انهيار جزء كبير من استثمارات الشركة. وبعد سلسلة من الخسائر، شطبت الشركة من البورصة، وأصبحت عبئا ماليا كبيرا على هيئة شؤون القصر، مما دفع بعض المسؤولين إلى التفكير في إعلان إفلاسها وإغلاق ملفها نهائيا، في محاولة واضحة لدفن التجاوزات المالية التي حدثت داخلها.

 

 

 

 

مخالفات ديوان المحاسبة ضد هيئة شؤون القصر

ديوان المحاسبة، وهي الجهة الرقابية المسؤولة عن مراجعة الأداء المالي والإداري للجهات الحكومية، قدّم عدة تقارير خلال السنوات الأخيرة تكشف عن مخالفات جسيمة داخل هيئة شؤون القصر، حيث أظهرت هذه التقارير أن الهيئة تعاني من سوء الإدارة، وعدم الكفاءة في استثمار أموال الأيتام.

وفقا لأحدث تقارير ديوان المحاسبة:

  • خسرت الهيئة 233 قضية قانونية من أصل 357 قضية بين عامي 2018 و2020، بنسبة بلغت 65%، مما أدى إلى خسائر مالية ضخمة والفضل يعود الى مديرة الإدارة القانونية عايدة القبندي.
  • إهمال في تحصيل أموال الأيتام، حيث سجل الديوان عدة ملاحظات على ضعف الرقابة الداخلية وتأخر الهيئة في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لاسترداد الأموال المستحقة.
  • استثمارات عقارية غير مدروسة تسببت في تراجع العوائد المالية للهيئة، خاصة مع وجود إدارة غير متخصصة تتخذ قرارات استثمارية دون دراسات كافية.
  • استمرار عدد من الموظفين والمسؤولين غير الأكفاء في مناصبهم لفترات طويلة، رغم وجود ملاحظات سلبية على أدائهم، مما يعكس وجود تواطؤ داخلي لحمايتهم من المساءلة.

هذه التقارير وغيرها تعكس خللا خطيرا في طريقة إدارة الهيئة للأموال التي يفترض أن تكون أمانة في أعناق مسؤوليها. بدلا من أن تحقق هذه الهيئة الازدهار لمستقبل الأيتام، أصبحت تمثل خطرا على أموالهم بسبب الفساد المستشري فيها.

 

شركة ريم العقارية: من النجاح إلى الفشل

بسبب الإدارة السيئة والتخبط في القرارات، انتقلت شركة ريم العقارية من كونها مؤسسة استثمارية ناجحة إلى شركة تتكبد خسائر ضخمة. وبدلا من العمل على إصلاح الأمور وإعادة الشركة إلى مسارها الصحيح، جاءت محاولة إعلان إفلاسها كحل سهل للتخلص من المشاكل المتراكمة وإغلاق الباب أمام أي تحقيقات مستقبلية حول الفساد داخلها.

وفي نوفمبر 2023، كان مجلس إدارة الشركة يعتزم إعلان الإفلاس رسميا، لكن بعد نشر د. عبدالله الصالح تغريدة تشير الى نواياهم الخبيثة حالت دون تنفيذ القرار في ذلك الوقت. غير أن المحاولة عادت مجددا في ديسمبر 2024، حيث تم تقديم مقترح جديد لتصفية الشركة، مما يعني أن هناك إصرارا من قبل بعض المسؤولين على إغلاق ملفات الشركة نهائيا وإخفاء أي أدلة على القرارات الكارثية التي أدت إلى خسارتها.

 

الحلول الممكنة لإنقاذ أموال الأيتام

إعلان إفلاس شركة ريم العقارية ليس الحل، بل هو مجرد وسيلة لإغلاق ملفات الفساد وإبعاد المسؤولين عن المحاسبة. الحل الحقيقي يكمن في إعادة هيكلة الشركة وإسناد إدارتها إلى جهة مالية متخصصة تمتلك الخبرة والكفاءة، مثل هيئة الاستثمار، التي تدير ثروات الدولة وأموال الأجيال القادمة بكفاءة عالية.

إضافة إلى ذلك، يجب فتح تحقيق شفاف في جميع القرارات المالية التي اتخذت داخل الشركة والهيئة، لمعرفة المسؤولين عن الخسائر ومحاسبتهم قانونيا. لا يمكن السماح باستمرار الفوضى المالية في مؤسسة يفترض أن تكون مسؤولة عن أموال الأيتام، ومن الضروري أن تكون هناك إجراءات صارمة لضمان عدم تكرار هذه الأخطاء في المستقبل.

 

مسؤولية القيادة في محاسبة الفاسدين

مع تصاعد قضايا الفساد، يقع العبء الأكبر على الحكومة، وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد العبدالله، الذي يحمل مسؤولية الإصلاح وحماية أموال الأيتام من العبث. ولا يجوز استباحة هذه الأموال وتعريضها للنهب بسبب سوء الإدارة، ولا بد من اتخاذ قرارات حازمة تضمن محاسبة كل من تورط في هذه الفوضى المالية.

إن الإصلاح الحقيقي لا يكون بإقالة شخصيات محددة فحسب، بل يجب أن يكون هناك تغيير جذري في طريقة إدارة الهيئة والشركات التابعة لها. يجب أن يكون هناك نظام رقابي صارم يمنع تكرار هذه التجاوزات، ويضمن أن تدار أموال الأيتام بأيد أمينة تمتلك الخبرة والكفاءة.

 

هل نشهد إصلاحا حقيقيا؟

أموال الأيتام ليست ملكا لأحد، بل هي أمانة يجب الحفاظ عليها. التحدي الآن هو في اتخاذ خطوات حقيقية لإنقاذ هذه الأموال ومحاسبة الفاسدين. هل ستتحرك الجهات المختصة لإنقاذ شركة ريم العقارية وإصلاح هيئة شؤون القصر؟ أم أننا سنشهد تكرارا لمسلسل الفساد حتى تدفن القضية تماما؟

الأيام القادمة وحدها ستكشف الحقيقة، ولكن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، سواء من الجهات الحكومية أو من المواطنين الذين يجب أن يواصلوا الضغط لضمان حماية حقوق الأيتام.

 

مرفق: مخالفات عايدة القبندي من تقرير ديوان المحاسبة ومخالفات عقارات الضجيج وحولي