loader image

عبدالله حمد الصقر: أضواء على سيرته ودوره السياسي والاقتصادي (1910 – 1974م)

تاجر بعيون قومي، ومؤسس بصمت على طريق الدستور

عبدالله حمد الصقر: أضواء على سيرته ودوره السياسي والاقتصادي (1910 – 1974م)
 
 
النشأة والتكوين العلمي
وُلد عبدالله حمد الصقر في عام 1910م في حي القبلة بالكويت لأسرة تجارية بارزة، وكان والده حمد الصقر من رواد التجارة البحرية في المنطقة، وهو ما انعكس على مسيرة الابن الأكبر عبدالله، الذي تشرّب مبادئ التجارة والانضباط منذ نعومة أظفاره. تلقى تعليمه المبكر في الكويت ثم التحق بمدرسة "سانت ماري" في بومبي مع أخيه عبدالعزيز، وهناك بدأ يتعرف على العالم الأوسع، وتكوّنت لديه شخصيته القومية من خلال تفاعله مع تيارات عربية منفتحة، قبل أن يواصل تدريبه العملي في التجارة في عدن، حيث التحق بعدد من النوادي الفكرية ذات الطابع القومي العربي.
 
 
بداياته في التجارة وإدارة الأعمال
أثبت الصقر مبكرا حنكته في العمل التجاري، وتجلى ذلك في رسائله إلى والده ومكاتباته مع الوكلاء، حيث كان يتابع تفاصيل السفن والتمور والبضائع بدقة، ويقدم رؤى وملاحظات حول الأسواق وتغيراتها في عدن والفاو والحديدة وبربرة، وهو ما يكشف عن وعيه الاقتصادي العميق منذ العشرينات.
 
 
توليه مسؤولية الشبكة التجارية العائلية
بعد وفاة والده عام 1930، تولى عبدالله وإخوانه عبدالعزيز ومحمد مسؤولية إدارة شبكة الأسرة التجارية التي امتدت من الكويت إلى البصرة والهند واليمن، فكان عبدالله يشرف على الفرع الرئيسي في البصرة، في حين تمركز عبدالعزيز في الهند، ومحمد في موانئ اليمن والصومال. وفي ظل هذه الظروف، تبوأ عبدالله دور الوصي والرئيس الفعلي لشركة "عبدالله الصقر وإخوانه"، والتي تخصصت في تجارة التمور والأخشاب والبضائع البحرية، إلى جانب الاستثمارات العقارية لاحقا.
 
 
اسلوبه الإداري في التجارة
تميز اسلوبه الإداري بالدقة والمتابعة، كما تكشف المراسلات التجارية عن تحليلاته للسوق وأسعاره، وتقديره للمخاطر السياسية مثل تأثير ثورة الزرانيق في اليمن على عمليات الشحن.
 
 
نشاطه السياسي في الكويت
عبدالله الصقر لم يكن مجرد تاجر، بل كان يحمل هما سياسيا وقوميا، وقد شارك في تأسيس الكتلة الوطنية في الكويت، التي قادت انتخابات مجلس الأمة التشريعي عام 1938، ولعب دورا بارزا في صياغة أول مسودة دستور كويتي، وساهم في إنشاء أول مجلس للمعارف عام 1936. وقد استضاف الصقر الاجتماعات في ديوانه وجعل منه مقرا للحراك السياسي، وعُرف بدعمه للتعليم النظامي، إيمانا منه بأن التعليم أساس نهضة الأمة.
 
 
رؤيته القومية وعلاقاته العربية
مثّل عبدالله الصقر نموذجا للمثقف التاجر، الذي جمع بين الانخراط في التجارة والعمل السياسي، والتفاعل مع الفكر القومي العربي في وقت مبكر، قبل أن تهيمن الناصرية والبعث على هذا الخطاب في الخمسينيات والستينيات. كانت له علاقات واسعة مع رموز القومية العربية من مختلف الأقطار، من بينهم الحاج أمين الحسيني وفوزي القاوقجي ومحمد الصلح، كما نسج شبكة علاقات فكرية وإنسانية في عدن، البصرة، دمشق، بيروت، القاهرة وغيرها.
 
 
دوره في الجناح الخليجي للقومية العربية
أهمية هذا الكتاب تكمن في كونه يفتح نافذة على الجناح الخليجي من حركة القومية العربية، وهي زاوية مهملة نسبيا في الأدبيات التاريخية، والتي غالبا ما تركز على المشرق العربي. إذ يعرض سيرة شخصية لم تُسلّط عليها الأضواء كثيرا بسبب مغادرته للكويت نهائيا في نهاية الثلاثينيات، غير أن تأثيره على المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي كان واضحا، خاصة في تلك المرحلة التأسيسية التي شهدت ميلاد أولى المؤسسات الرسمية في الكويت.
 
 
 
 
القومية العاطفية مقابل القومية المؤطرة
تعكس الوثائق التي يقدمها الكتاب مدى التزام عبدالله الصقر بالقيم القومية، لكنه، كما يبدو، لم يكن يحمل مشروعا مؤطرا أو مؤدلجا بالمعنى المعروف لاحقا في حقبة عبد الناصر بل إن قومية الثلاثينيات التي آمن بها كانت قومية عاطفية تقوم على فكرة وحدة العرب ومقاومة الاستعمار، دون أن ترافقها رؤية تفصيلية لنموذج الحكم أو السياسة الاقتصادية، وهو ما يفسر تفاعل القوميين في الخليج مع الأنظمة الملكية كما في العراق، وعدم ممانعتهم لها.
 
 
الإعجاب بالرموز العالمية
من الجوانب اللافتة في سيرة عبدالله الصقر، هو إعجابه المبكر بعدد من الزعامات القومية العالمية مثل موسوليني، وهتلر، وهي ظاهرة شائعة في تلك المرحلة من ثلاثينيات القرن الماضي، حيث استُحسن فيهم "الرمز القوي" لا الفكر الفاشي بحد ذاته. كما أن النشاط القومي في ذلك الوقت لم يمتد إلى المغرب العربي، إذ بقي محصورا في الهلال الخصيب بسبب الظروف الجغرافية والتاريخية المختلفة.
 
 
مساهمته في محاولات كتابة الدستور
وإذا ما ألقينا نظرة على الجذور الدستورية للكويت، فإن عبدالله الصقر لعب دورا مهما في المحاولات الثلاث الأولى لصياغة الدستور في عهد الشيخ أحمد الجابر في الفترة ما بين 1938 و1939، ويعتبر كثيرون أن هذه المحاولات أرست الأرضية لدستور عام 1962، ما يجعل من عبدالله الصقر أحد المؤسسين غير الرسميين للفكر الدستوري الكويتي.
 
 
شبكته الاجتماعية وأعماله الخيرية
في الجانب الاجتماعي، كانت له بصمة واضحة في بناء شبكة علاقات إنسانية داخل الكويت وخارجها، ولعب دورا في تعزيز الحراك المجتمعي والفكري، كما أظهر وعيا مبكرا بأهمية التوثيق والتدوين، وهو ما يُثبت عبر الرسائل المتبادلة بينه وبين وكلائه وإخوانه. استثمر جزءا من أموال الأسرة في دعم فلسطين، واهتم بالقضايا العربية المشتركة، وهو ما تبيّنه الحسابات السنوية التي وثّقها بدقة.
 
 
مشاريعه الاقتصادية وتنويع الاستثمار
في المجال الاقتصادي، تجاوزت مشاريعه التجارة إلى امتلاك السفن، واستيراد الأخشاب من الهند ثم من السويد، ودخول تجارة الإسمنت والأرز والبضائع المختلفة، كما أدار علاقاته مع النواخذة والتجار بشفافية وتوازن، وحافظ على سمعة الأسرة التجارية رغم التحديات.
 
 
ابتعاده في أواخر حياته
لم تكن حياة عبدالله الصقر تخلو من الصعوبات، فقد اضطر لمغادرة الكويت نهائيا بعد فشل مشروع المجلس التشريعي، وربما تأثرت صحته لاحقا، إذ تشير الوثائق إلى ابتعاده عن الحياة العامة في الستينيات والسبعينيات. ومع ذلك، فإن إرثه استمر عبر إخوانه، خصوصا جاسم وعبدالعزيز، الذين واصلوا العمل السياسي والاقتصادي باسم الأسرة.
 
 
الخاتمة: إرث ممتد وسيرة جامعة
يعكس هذا الكتاب قدرة السيرة الذاتية على أن تكون مرآة لفهم حقبة كاملة، فهو لا يوثق فقط حياة عبدالله الصقر، بل يسرد أيضا بدايات التاريخ المعاصر للكويت، من النواحي الاقتصادية والسياسية والفكرية، ويقدم مادة أولية لفهم طبيعة الحراك العربي الخليجي خارج السياق الرسمي. إن ما يميز شخصية عبدالله الصقر هو ذلك المزيج النادر بين العمق الاقتصادي والاهتمام القومي والعمل السياسي والمجتمعي. لقد كان شاهدا على تحولات كبرى في تاريخ الكويت والمنطقة، وفاعلا فيها، لكنه بقي بعيدا عن الأضواء. لذا فإن الكتاب يرد له شيئا من الاعتبار ويمنح القارئ فرصة لإعادة تقييم مرحلة حاسمة من تاريخ الخليج بعين أكثر اتساعا وموضوعية، مستندا إلى الوثائق والمراسلات والذكريات الشفوية، ليبني صورة متكاملة لرجل صنع الكثير دون أن يسعى إلى الأضواء.
 
 
المرفق: كتاب عبدالله حمد الصقر: أضواء على سيرته ودوره السياسي والاقتصادي (1910 - 1974م)