اشاعات صحيفة القبس السيئة عن سحب الجناسي
بين المهنية وازدواجية المعايير
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
في ظل التحولات الإعلامية المتسارعة، يُطرح التساؤل حول مدى التزام وسائل الإعلام بالمهنية والشفافية في نقل الأخبار، ومدى تأثيرها على الرأي العام. إحدى القضايا التي أثارت جدلاً في الكويت مؤخرا هي تغطية صحيفة القبس لموضوع سحب الجنسيات، حيث اتُّهمت بنشر أخبار غير مؤكدة تستند إلى "مصادر حكومية" دون الإفصاح عن هويتها، مما يثير شكوكا حول مصداقية الصحيفة وأجندتها الإعلامية.
هل تمارس صحيفة القبس دورها الإعلامي بحيادية وموضوعية، أم أنها تنتهج سياسة ازدواجية المعايير من خلال استغلال نفوذها الإعلامي لتوجيه الرأي العام وفق أجندات معينة؟
لمعالجة هذا الموضوع بشكل متكامل، سنناقشه من خلال أربعة محاور رئيسية:
توجيهات سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح للإعلام ودوره في تعزيز الوحدة الوطنية
الإطار القانوني للنشر وفقًا لقانون المطبوعات والنشر في الكويت
ازدواجية المعايير في تعامل صحيفة القبس مع القضايا الوطنية
مخالفات القبس في تغطية قضية سحب الجنسيات وانعكاسها على المشهد الإعلامي
في خطابه السامي بتاريخ 20 ديسمبر 2023، شدد سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح على أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية ودور الإعلام في نشر التفاؤل وتعزيز الاستقرار بدلاً من تأجيج التوترات ونشر الإشاعات المغرضة. أكد سموه أن الإعلام يجب أن يكون أداة بناء وليس أداة هدم، مشددا على أن المسؤولية الإعلامية تقتضي التحقق من المعلومات قبل نشرها، وعدم نشر ما يضر بالنسيج الوطني.
من هذا المنطلق، فإن نشر صحيفة القبس أخبارا غير مؤكدة عن سحب الجنسيات يتعارض بشكل واضح مع هذه التوجيهات، إذ تساهم في إثارة القلق بين المواطنين دون سند رسمي.
القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر يحدد بوضوح المحظورات التي يجب على وسائل الإعلام الالتزام بها. وتنص المادة 21، الفقرة السادسة، على أن "نشر ما يدور في الاجتماعات أو ما هو محرر في وثائق رسمية سرية يعد مخالفة قانونية، حتى لو كانت المعلومات صحيحة". وهذا يعني أن الصحافة ملزمة بنقل الأخبار من المصادر الرسمية فقط، وليس من مصادر غير معلنة أو غير رسمية.
بناءً على ذلك، فإن نشر صحيفة القبس أخبارا متعلقة بسحب الجنسيات من دون تصريح رسمي من وزارة الداخلية يعد انتهاكا واضحا لهذا القانون، مما يضعها أمام مساءلة قانونية.
على مدى عقود، لعبت صحيفة القبس دورا بارزا في محاربة الفساد وكشف التجاوزات في الساحة الكويتية، خاصة خلال فترة رئاسة محمد الصقر. فقد تميزت الصحيفة في ذلك العهد بنهجها الجريء في تسليط الضوء على القضايا الشائكة التي تتعلق بالفساد المالي والإداري، ونشرت تحقيقات موسعة كانت بمثابة صدمة للرأي العام.
من أبرز القضايا التي تبنتها القبس:
قضية الناقلات: حيث سلطت الضوء على عمليات الفساد والاختلاسات التي تعرضت لها شركة ناقلات النفط الكويتية، مما أدى إلى الكشف عن تورط مسؤولين في هذه القضايا.
قضية الاستثمارات: كشفت الصحيفة عن عمليات التلاعب بالأموال العامة في الهيئة العامة للاستثمار، وما ترتب على ذلك من تحقيقات وملاحقات قانونية ضد المتورطين.
برز دور القبس في فضح العديد من ملفات الفساد التي شغلت الكويت، حيث لم تتوانَ الصحيفة عن توجيه الانتقادات الحادة للمسؤولين المتورطين في ممارسات غير قانونية. كان نهجها قائما على التحقيقات الصحفية الاستقصائية، ما جعلها منبرا يثق به المواطنون الباحثون عن الحقيقة.
لكن مع تغير الإدارة في السنوات الأخيرة، يرى البعض أن الصحيفة تخلت عن نهجها السابق وأصبحت تمارس معايير مزدوجة في تغطيتها للأحداث، خاصة بعد انتقالها إلى إدارة جديدة بقيادة رئيس التحرير وليد النصف ونائب رئيس التحرير عبدالله غازي المضف، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى تمسكها بمبادئها القديمة.
من أبرز الملاحظات التي تُثار حول تغطية صحيفة القبس للقضايا الوطنية هو التفاوت في التعامل مع الأخبار. فعلى سبيل المثال:
في عام 2022، نشرت القبس خبرا عن القبض على ضابط في أمن الدولة بسبب تزوير جنسيته، إلا أن وزارة الداخلية نفت الخبر لاحقا. ورغم أن الصحيفة اعترفت بالخطأ وقدمت اعتذارا، لم تتعرض لأي عقوبة قانونية.
في المقابل، عندما نشر مواطنون تغريدات عن منع نائب سابق من دخول الكويت، تمت محاكمتهم وسجنهم بتهمة نشر أخبار كاذبة.
هذه المعايير المزدوجة تثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت القبس محمية من المساءلة مقارنة بالإعلاميين المستقلين والمواطنين العاديين، وما إذا كان القانون يطبق على الجميع دون استثناء.
نشرت صحيفة القبس خلال الأشهر الماضية سلسلة من الأخبار المتعلقة بسحب الجنسيات، جميعها تحت مسمى "مصدر حكومي"، ومن دون أي بيان رسمي من وزارة الداخلية، ومن أبرز هذه الأخبار:
25 سبتمبر 2024: "مصدر حكومي: قرار مجلس الوزراء بتعديل قانون الجنسية يشمل المكتسبة فقط"
16 يناير 2025: "مصدر حكومي: تبادل معلومات مع دول أخرى لكشف المزدوجين والمزورين"
19 يناير 2025: "24 قضية تزوير جنسية منظورة أمام النيابة، وعدد المتهمين 65 شخصًا"
غياب التصريحات الرسمية من الجهات المختصة يجعل هذه الأخبار مجرد إشاعات غير موثوقة، وهو ما يتعارض مع قانون المطبوعات والنشر. فهل يطبق القانون على الجميع أم أن بعض الجهات الإعلامية مستثناة من المساءلة؟
إذا كانت الحكومة تطبق القانون بحزم على المواطنين العاديين، فمن باب أولى أن يُطبق القانون على صحيفة القبس وغيرها من وسائل الإعلام الكبرى التي تملك نفوذًا وتأثيرا كبيرا. فالمسؤولية الإعلامية لا تتعلق فقط بنقل الأخبار، بل تشمل الالتزام بالشفافية وعدم نشر ما قد يؤثر سلبًا على استقرار المجتمع.
التوقف عن نشر أخبار غير رسمية تحت مسمى "مصدر حكومي"، والالتزام فقط بالتصريحات الرسمية.
تحرك الجهات المختصة، وخاصة وزير الإعلام، لمحاسبة القبس إذا ثبتت مخالفتها للقانون.
توعية المواطنين بضرورة الرقابة الشعبية على الإعلام، وتقديم الشكاوى ضد الأخبار الكاذبة.
الإعلام ليس فوق القانون، ولا يجب أن يكون أداة لتضليل الرأي العام أو التلاعب بمصائر الناس. لذلك، لا بد من محاسبة كل من يتجاوز القوانين، سواء كان فردا أو مؤسسة إعلامية.
المرفق: ملف يحتوي على اشاعات القبس عن سحب الجناسي