ضياع أموال المتقاعدين من عصابة التأمينات الاجتماعية
التعيينات الباراشوتية: الامتيازات والرواتب الضخمة دون منافسة
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
الثقل المالي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية
تُعد المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ثاني أكبر مؤسسة مالية في الكويت بعد الهيئة العامة للاستثمار، التي تدير صندوق الأجيال القادمة بحجم يقارب التريليون دولار. تمتلك التأمينات الاجتماعية أصولا تُقدر بـ 45 مليار دينار كويتي، وتُعتبر مصدر دخل رئيسي لنصف مليون موظف كويتي في القطاعين الحكومي والخاص، حيث يستقطع جزء من رواتبهم شهريا لدعم المؤسسة. كما تصرف التأمينات رواتب لـ 180 ألف متقاعد من الآباء والأمهات، مما يجعلها مؤسسة حيوية تمس حياة الجميع.
من بين أبرز الشخصيات المؤثرة في قرارات التأمينات الاجتماعية، الشيخ مشعل الأحمد، الذي كان آنذاك وليا للعهد. ففي 14 يوليو 2021، استدعى المسؤولين في المؤسسة لمناقشة أوضاعها المالية. خلال الاجتماع، قُدّمت له تقارير تفيد بأن التأمينات حققت أرباحا، فطالبهم بإشراك المتقاعدين في هذه الأرباح على أن تكون 7000 دينار لكل متقاعد. لكن بعد مراجعة البيانات، تبيّن أن هذه الأرباح كانت دفترية وليست حقيقية، مما أدى إلى تراجع هذه الوعود. نتيجة لذلك، أقر مجلس الأمة في 2022 منحة مالية بقيمة 3000 دينار لمرة واحدة فقط، وهو الأمر الذي تسبب في استياء الشيخ مشعل من مشعل العثمان، مدير عام التأمينات حينها.
تسريبات حصرية وصلت إلى الدكتور عبدالله الصالح، الذي تناولها في عدد من الحلقات، كشفت عن فساد قيادات التأمينات. وبعد نشره لهذه المعلومات، أعلن مشعل العثمان عن استقالته في 25 سبتمبر 2022، والتي وفق بعض المصادر كانت في الواقع إقالة نتيجة هذه التسريبات.
وفي اليوم نفسه، صرّحت النائبة عالية الخالد بأن التأمينات انتقلت من مرحلة الخسائر إلى تحقيق الأرباح، إلا أن تصريحاتها أثارت جدلا نظرا لارتباط عائلتها ببعض القيادات في المؤسسة.
بعد خروج مشعل العثمان، تولّى أحمد الثنيان منصب مدير المؤسسة بالتكليف منذ 2022 حتى الآن. ومن بين المخالفات المسجلة في هذه الفترة:
إحالته إلى المحكمة بتهمة إخفاء أدلة في قضايا فساد.
عدم اتخاذ أي إجراء من قبل وزير المالية السابق أنور المضف، على الرغم من خطورة القضية.
تعيين مها الرجعان، ابنة أخ فهد الرجعان المدير العام السابق للتأمينات والمدان بالاختلاس، في منصب رئيس قطاع الشؤون القانونية، رغم وجود تضارب مصالح واضح وفق تقرير ديوان المحاسبة.
وفق تقارير ديوان المحاسبة، قامت المؤسسة بالتعاقد مع شركة "بلاك روك" بعقد قيمته 800 ألف دينار على مدار خمس سنوات، رغم عدم الحصول على موافقات رسمية من الجهات الرقابية. كما أن العقد يجدد تلقائيا، مما يثير تساؤلات حول الشفافية في إدارة هذه العقود.
من بين الأسماء التي أُثيرت حولها علامات استفهام بسبب تعيينهم دون إعلان:
1. مشعل العثمان: شغل منصب مدير عام التأمينات وكان يتلقى راتب 10,000 دينار، إضافة إلى بونص سنوي 60,000 دينار ومكافآت سنوية 420,000 دينار. تعرض لانتقادات واسعة بسبب سياسته في المؤسسة وانتهت فترة عمله باستقالة قسرية.
2. رائد محمد النصف: نائب مدير عام، مسؤول عن قرارات استثمارية كبرى داخل المؤسسة، يحصل على مكافآت تفوق 250,000 دينار سنويًا، وواجه انتقادات حادة بسبب أسلوبه في إدارة الاستثمارات.
3. خالد جاسم المضف: رئيس قطاع الاستثمارات غير السائلة براتب 5,000 دينار، يدير جزءا كبيرا من أصول المؤسسة، ويتلقى مكافآت تفوق 160,000 دينار سنويا، مما أثار العديد من التساؤلات حول نزاهة بعض قراراته الاستثمارية.
4. بدر عبدالله الكندري: تعيّن كرئيس قطاع الاستثمارات السائلة براتب 5,000 دينار ومكافأة سنوية 70,000 دينار، رغم أن تخصصه الأكاديمي في الإعلام، الأمر الذي أدى إلى التشكيك في مدى ملاءمته لهذا المنصب.
5. أحمد حمد الثنيان: بدأ كرئيس قطاع العمليات براتب 5,000 دينار، ثم ترقى إلى منصب مدير عام التأمينات براتب 10,000 دينار، مع بونص سنوي 60,000 دينار ومكافآت سنوية تصل إلى 420,000 دينار، وهو أحد الأسماء المثيرة للجدل بسبب ترقيته السريعة ومحال إلى المحكمة بتهمة إخفاء أدلة في قضايا فساد.
6. خالد يوسف الهاجري: تم تعيينه بلا إعلان رسمي، حيث تمت ترقيته من مستشار إلى رئيس قطاع الاستراتيجية براتب 5,000 دينار. كما تم تعيينه ممثلًا عن المؤسسة في شركتي الروضتين ووفرة العقارية، مما مكّنه من الاستفادة من المكافآت السنوية. في السابق، عمل كمحلل مالي في شركة الاستثمارات الوطنية.
7. سليمان عبدالعزيز الدرباس: ابن خال مشعل العثمان، بدأ مسيرته كمحلل مالي في صندوق التنمية براتب 1,350 دينار. لاحقا، تم تعيينه في التأمينات الاجتماعية دون إعلان رسمي كمدير لإدارة البدائل المالية براتب 3,500 دينار، بالإضافة إلى مكافآت سنوية تصل إلى 80,000 دينار، مما أثار انتقادات حيال آلية تعيينه ومدى استحقاقه لهذا المنصب.
8. باسل محمد العجمي: تعيّن بوظيفة محاسب في 2021، ثم ترقى سريعا في 2023 ليصبح مستشارا ماليا ومدير إدارة الحسابات، مما يسلط الضوء حول معايير ترقيته مقارنة بمستوى خبرته.
9. ساره نجيب الزعابي: تعينت بلا إعلان رسمي، حيث تمت ترقيتها من مستشار إلى رئيس قطاع الموارد البشرية براتب 5,000 دينار. كما تم تعيينها ممثلة عن المؤسسة في شركة وفرة العقارية، مما منحها الاستفادة من المكافآت السنوية. قبل انضمامها إلى التأمينات، شغلت منصب مساعد مدير إدارة في البنك الأهلي المتحد براتب 1,950 دينار.
في ظل هذه التجاوزات، هناك مطالبات جدية من قبل الجهات الرقابية والشعبية لإصلاح المؤسسة وضمان العدالة والشفافية في إدارتها. ومن أبرز المقترحات:
إيقاف أحمد الثنيان عن العمل، نظرا لإحالته إلى المحكمة في قضايا فساد.
إقالة مها الرجعان من منصبها كرئيسة الشؤون القانونية، لتضارب المصالح مع عمها المدان في قضايا مالية.
إعادة النظر في تعيين خالد الهاجري، الذي استقال من المؤسسة بعد عدم حصوله على المستحقات المالية التي طالب بها، ليعود لاحقا في منصب أعلى كعضو مجلس إدارة ومسؤول في لجنة الاستثمار.
تحقيق شفاف في جميع التعيينات التي تمت بالباراشوت لضمان تكافؤ الفرص بين المواطنين المؤهلين.
المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ليست مجرد صندوق استثماري، بل هي أساس الأمان المالي لمئات الآلاف من المواطنين الكويتيين. لذلك، فإن الإصلاح الجذري لممارساتها يجب أن يكون أولوية وطنية، من خلال فرض أعلى معايير الشفافية والحوكمة الرشيدة، ومحاسبة القيادات التي تورطت في شبهات الفساد على غرار الصندوق النرويجي، الذي يعد نموذجا عالميا في الإدارة الرشيدة والاستثمار المستدام، يجب أن تُدار أموال التأمينات بروح المسؤولية الوطنية، مع ضمان عدم تكرار التجاوزات التي تهدد مستقبل المتقاعدين والمشتركين.