فساد بمئات الملايين في عهد وزير الصحة أحمد العوضي
أزمة إدارية ومالية تستدعي التدخل العاجل
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
تقرير ديوان المحاسبة 2023/2024 عن وزارة الصحة
تشهد وزارة الصحة الكويتية موجة من الانتقادات والتساؤلات حول كيفية إدارة الأموال العامة والموارد المخصصة لتقديم الخدمات الصحية، وذلك استناداً إلى تقرير ديوان المحاسبة للفترة 2023/2024. يكشف التقرير عن سلسلة من التجاوزات والمخالفات المالية والإدارية التي تستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات العليا في الدولة لإعادة النظام والشفافية.
من أبرز النقاط التي تناولها الدكتور عبدالله الصالح في الحلقة موضوع تعيين وزارء آل البيت، إذ أشار إلى أن هناك ثلاثة وزارء لهم صلات قرابة وطيدة مع أسرة آل البيت؛ هم النسيب عبدالرحمن المطيري والشيخ فهد اليوسف، بالإضافة إلى أحمد العوضي الذي لا ينتمي لنفس الدائرة. وأوضح الدكتور أن سبب تعيين وزير الصحة يعود لعلاقة والده مع آل البيت، مما يستدعي إعادة النظر في معايير التعيين في القطاعات الحساسة وإدارة الموارد المالية.
تُعد وزارة الصحة الكويتية من أكبر الوزارات من حيث الميزانية، إذ تقدر ميزانيتها بحوالي 2.7 مليار دينار. ورغم هذه الميزانية الضخمة، يكشف تقرير ديوان المحاسبة 2023/2024 عن تجاوزات مالية جسيمة، منها توريد لقاحات مودرنا وأدوية منتهية الصلاحية دون استبدالها ببدائل فعّالة، مما يؤدي إلى هدر مبالغ كبيرة تصل إلى 36 مليون دولار بالإضافة إلى توريدات أخرى بقيمة 6 مليون دولار. تُطرح تساؤلات حول الجهة المستفيدة من هذه الصفقات، خاصة في ظل النقص الحاد الذي يعاني منه المواطنون في الحصول على الأدوية الضرورية.
على الرغم من زيادة الاعتمادات المخصصة لصرف الأدوية والمستلزمات الطبية، أفاد التقرير بوجود نقص متكرر يصل نسبته إلى 41% في بعض المستشفيات. ويُعزى هذا النقص إلى تعيين أفراد غير متخصصين في قطاع الأدوية وإدارة المخازن، مما تسبب في ضعف الرقابة وعدم القدرة على استغلال الموارد بالشكل الأمثل. وفي الوقت الذي تُصرف فيه مبالغ هائلة على شراء لقاحات وأدوية، تنتهي صلاحيتها دون أن يتم استخدامها، مما يفاقم من مشكلة النقص ويؤثر على رعاية المرضى.
يُعد مشروع "بيت عبد الله" مبادرة إنسانية تهدف إلى تقديم الرعاية التلطيفية للأطفال المصابين بأمراض خطيرة، إلا أن التقرير سلط الضوء على مخالفات مالية متعلقة به. فقد تبين أن الوزارة قامت بصرف رواتب لموظفي المشروع بمبالغ تجاوزت 280 ألف دينار، بالإضافة إلى صرف مبالغ تصل إلى 71 ألف دينار على الإمدادات الطبية، وذلك رغم مساهمات جمعيات وأسر كويتية كريمة في تأسيس المشروع. ويضع حيرة في الأذهان حول إدارة الأموال العامة واحترام الاتفاقيات المبرمة مع الجهات المتعاونة.
يكشف تقرير ديوان المحاسبة للفترة 2023/2024 عن حجم الفساد الإداري والعبث الوظيفي داخل وزارة الصحة، حيث تُبرز الأرقام مدى سوء إدارة الموارد البشرية والمالية. ففي جانب صرف الرواتب والبدلات دون وجه حق، تبين أن الوزارة تصرف مبالغ ضخمة دون وجود أدلة كافية على حضور الموظفين أو التزامهم بالمهام المناطة بهم؛ فقد بلغت قيمة الرواتب الشهرية المدفوعة لعشرات الموظفين بدون بصمة 135,000 دينار. كما تم صرف علاوات اجتماعية غير مستحقة بقيمة 126,000 دينار، بالإضافة إلى بدلات مرتبطة بإجازات مختلفة بقيمة تقارب 10,000 دينار.
وتشير التقارير أيضا إلى حالات صرف رواتب بديلة دون وجه حق بمبلغ يصل إلى 42,000 دينار، إلى جانب صرف بدلات لمرافق الزوج بقيمة إجمالية وصلت إلى 208,000 دينار. كما سجل التقرير صرف بدلات ومكافآت للموظفين المبتعثين وغيرهم من العاملين بمبالغ إضافية تصل إلى 24,000 دينار، بالإضافة إلى مكافآت شخصية تجاوزت 62,000 دينار. ولا يخفى أن الوزارة استمرت في صرف رواتب إضافية بدون وجود بصمة، بلغت قيمتها 12,283 دينار لفترات امتدت لعدة سنوات.
تعكس هذه الأرقام حجم العبث الوظيفي الذي أدى إلى هدر مبالغ مالية ضخمة، مما يؤكد على ضرورة إصلاح النظام الإداري وتطبيق أنظمة رقابية صارمة لضمان استغلال المال العام بما يخدم الصالح العام وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.
أضاف التقرير أن الوزارة قامت بتعيين موظفين غير كويتيين لشغل وظائف في قطاع الخدمات الصيدلانية دون معادلة شهاداتهم العلمية، مما قد يؤثر سلباً على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين. كما تبين أن بعض الشركات المتعاقدة مع الوزارة تُستغل في إدارة بعض الأسواق والمراكز التابعة لها دون سند قانوني، وقد تجاوزت المبالغ غير المدفوعة لهذه الشركات خمسة ملايين دينار. بالإضافة إلى ذلك، أظهر التقرير تقصيراً في توقيع الغرامات المستحقة على هذه الشركات، حيث تم الاتفاق على دفعها على أقساط دون الالتزام الكامل بالعقوبات المالية المقررة.
كشف التقرير أن تأخر تنفيذ المشاريع الإنشائية يشكل أحد أبرز المخالفات، إذ تأجلت أكثر من 75% من مشاريع إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، حيث تجاوزت بعض المشاريع فترة التأخير 10 سنوات. ويُقدر إجمالي قيمة المشاريع المتأخرة بما يتراوح بين 200 إلى 300 مليون دينار، مما أدى إلى تأثير سلبي على خطط الوزارة في تقديم خدمات علاجية متكاملة للمواطنين، حيث تأثرت حوالي 60% من خطط التوسعة والتطوير الطبي في المؤسسات الصحية. نتيجةً لذلك، لجأ وزير الصحة إلى طلب نقل إشراف قطاع المشاريع الإنشائية إلى وزارة الأشغال، في محاولة لتسريع إنجاز المشاريع وتحسين البنية التحتية للرعاية الصحية.
في ضوء هذه التجاوزات والإخفاقات الإدارية والمالية، يأتي تقرير ديوان المحاسبة 2023/2024 كنداء عاجل للجهات العليا في الدولة، وعلى رأسها أمير الحزم والعزم الشيخ مشعل الأحمد، لاتخاذ إجراءات صارمة لمحاسبة المسؤولين عن هذه المخالفات. فالفساد الإداري والمالي لا يؤثر فقط على الأموال العامة، بل يضع صحة المواطنين على المحك، خاصة عندما تؤدي مثل هذه التجاوزات إلى نقص في الأدوية وتأخير في تنفيذ المشاريع الحيوية.
يُظهر تقرير ديوان المحاسبة للفترة 2023/2024 صورةً مقلقة عن إدارة وزارة الصحة الكويتية، حيث تتداخل قضايا تعيين المسؤولين بناءً على علاقات القرابة مع تجاوزات مالية وإدارية جسيمة تؤدي إلى هدر مبالغ كبيرة مخصصة لتحسين الخدمات الصحية. إن ضرورة التدخل العاجل واتخاذ خطوات حاسمة لإعادة النظام والشفافية باتت ملحة، حفاظاً على المال العام وضمان تقديم رعاية صحية متكاملة للمواطنين. وفي ظل استمرار هذه التجاوزات، يبقى السؤال قائمًا حول مدى تحمل المسؤولين للمحاسبة، وما إذا كانت الدولة ستتخذ الإجراءات اللازمة لمعالجة هذه الأزمة التي تمس مستقبل الصحة العامة في الكويت.
المرفقات: تقرير ديوان المحاسبة عن وزارة الصحة 2023/2024