كتاب علي الجراح الصباح المسيء للأمير صباح الأحمد
كيف أدى التسريب إلى استقالة علي الجراح؟
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
كان الدكتور عبدالله الصالح أول من سرب الكتاب في حلقة بعنوان "تسريب كتاب علي الجراح الصباح المسيء للأمير صباح الأحمد" بتاريخ 10 يوليو 2021، ما أثار ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية. وبعد نشر الكتاب في هذه الحلقة، تقدم علي الجراح الصباح باستقالته من منصبه كوزير لشؤون الديوان الأميري، وقُبلت استقالته رسميًا في 27 يوليو 2021.
في خضم الأحداث السياسية التي تشهدها الكويت، برزت وثيقة مسربة من الديوان الأميري تشير إلى تورط القيادة العليا في قضية الفساد المعروفة بـ "صندوق الجيش"، وهي القضية التي شغلت الرأي العام الكويتي لفترة طويلة. الوثيقة، التي وقعها وزير شؤون الديوان الأميري علي الجراح الصباح، جاءت بمثابة محاولة لتبرئة رئيس الوزراء السابق جابر المبارك الصباح ووزير الدفاع الأسبق خالد الجراح الصباح، اللذين يواجهان اتهامات باختلاس أموال طائلة من صندوق الجيش الكويتي.
تكتسب هذه الوثيقة أهمية خاصة لعدة أسباب، أبرزها أنها تسلط الضوء على دور الديوان الأميري في هذه القضية، حيث جاء في نصها أن المصروفات المتعلقة بصندوق الجيش قد تمت بعلم وموافقة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وذلك "خدمةً للصالح العام ومتطلبات مصلحة الأمن القومي للبلاد". هذا التصريح يحمل في طياته أبعادًا قانونية وسياسية خطيرة، إذ إنه يفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى مسؤولية القيادة السياسية في قضايا الفساد، وما إذا كان هذا الاعتراف الصريح يمكن أن يُستخدم لحماية المتورطين بدلاً من محاسبتهم أمام القضاء.
إن الدفاع العلني عن شخصيات سياسية بارزة متورطة في الفساد من قبل مؤسسة سيادية مثل الديوان الأميري، يشكل سابقة خطيرة في المشهد السياسي الكويتي. من الناحية القانونية، يُثير هذا الأمر إشكالية تتعلق بتدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، حيث إن تبرئة شخصيات متهمة قبل صدور الأحكام القضائية قد يُضعف من استقلالية القضاء الكويتي، ويفتح المجال أمام المزيد من التدخلات السياسية في المحاكمات. كما أن وجود تضارب في المصالح، لا سيما أن علي الجراح الصباح، الذي وقع الوثيقة، هو شقيق خالد الجراح الصباح، أحد المتهمين في القضية، يعزز الشكوك حول نزاهة هذا التدخل.
من الجانب السياسي، يعكس هذا الحدث طبيعة العلاقة بين السلطة الحاكمة والنخبة السياسية، والتي يبدو أنها قائمة على حماية الفاسدين بدلاً من محاسبتهم. هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الديوان الأميري لتبرير مخالفات مالية ضخمة، فقد سبق أن حدث أمر مشابه في قضية "الإيداعات المليونية" التي تفجرت قبل أكثر من عشر سنوات، عندما أُرسلت وثائق رسمية من الديوان الأميري تدافع عن تحويلات مالية ضخمة إلى حسابات نواب في مجلس الأمة، بحجة أنها تمت من أجل "مصلحة الكويت العليا". هذا النهج، الذي يتكرر عبر السنين، يعكس سياسة واضحة تتمثل في حماية المتورطين في الفساد داخل الأسرة الحاكمة أو الدائرة الضيقة المحيطة بها، بينما يتم التعامل بقسوة مع أي مواطن عادي يرتكب مخالفة أقل شأنًا.
كان النائبان حسن جوهر ومبارك الحجرف قد وجها أسئلة حول هذه القضية في مجلس الأمة، ولكن الحكومة لم ترد على تساؤلاتهما في حينها. مع تعليق مجلس الأمة الحالي وتعاقب ثلاث مجالس خلال السنوات الأربع الماضية، لا يمكن تحميل أي نواب مسؤولية مباشرة عن متابعة القضية الآن، إذ إنه لا يوجد مجلس قائم بالأساس. لكن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق المجلس القادم في الدفع نحو تشريعات تضمن استقلالية القضاء، وتحد من تغول أي سلطة في الدولة على النظام القضائي، حتى يتحقق الإصلاح المنشود في المؤسسات الدستورية.
إضافة إلى ذلك، فإن توقيت هذه الوثيقة يطرح تساؤلات حول مستقبل النزاع داخل الأسرة الحاكمة نفسها. فقد أشارت بعض التقارير إلى أن الشيخ حمد صباح الأحمد، نجل الأمير الراحل، أبدى اعتراضه الشديد على الوثيقة، معتبرًا أنها محاولة غير مقبولة للإضرار بسمعة والده بعد وفاته. كما أن الاجتماع الأخير للأسرة الحاكمة شهد نقاشًا حادًا حول هذه القضية، حيث بدا الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد وكأنه يحاول التنصل من الوثيقة، مدعيًا أنه لم يكن على علم بها. وإذا كان هذا صحيحًا، فإنه يعكس وجود صراعات داخلية حول طريقة إدارة السلطة، وقد يعكس تحديات تواجه الأمير الحالي في إدارة التوازن بين مختلف القوى داخل الدولة على مؤسسات الدولة، مما قد يدفع أطرافًا أخرى داخل الأسرة إلى محاولة تعزيز نفوذها على حسابه.
في قضية "تزوير كتاب الديوان الأميري" المرتبطة بـ"صندوق الجيش"، وُجِّهت اتهامات إلى كل من:
الشيخ علي الجراح الصباح، وزير شؤون الديوان الأميري السابق.
الشيخ مبارك الفيصل، رئيس الديوان الأميري السابق.
صلاح المسعد، رئيس إدارة الفتوى والتشريع السابق.
تتعلق التهم بتزوير كتاب رسمي نُسبت فيه معلومات غير صحيحة إلى الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بهدف التأثير على مجريات قضية "صندوق الجيش".
في تطورات القضية، أصدرت محكمة الجنايات حكمًا ببراءة المتهمين، وتم تأييد هذا الحكم لاحقًا من قبل محكمة الاستئناف. ثم حددت محكمة التمييز جلسة في 25 يناير 2024 للنظر في القضية، حيث أُعيد تأكيد حكم البراءة.
بعد صدور حكم البراءة النهائي، قرر الشيخ حمد صباح الأحمد التنازل عن الطعن الذي كان قد قدمه ضد المتهمين، مما أنهى المسار القانوني للقضية.
في النهاية، تبقى هذه القضية اختبارًا حقيقيًا لمفهوم سيادة القانون في الكويت، ومدى إمكانية تحقيق الإصلاح السياسي في ظل وجود ممارسات تعزز الإفلات من العقاب. فإما أن يكون القضاء الكويتي قادرًا على ممارسة استقلاليته، وإما أن يستمر الوضع الراهن الذي يجعل من الفساد ظاهرة محمية رسميًا، لا يمكن المساس بها.
المرفقات: وثيقة كتاب الديوان الأميري السرية