تضارب مصالح الشيخ أحمد المشعل الصباح
مكافحة الفساد في الكويت: تحديات المرحلة الجديدة
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
مكافحة الفساد في الكويت: هل نبدأ من القمة أم القاعدة؟
يشكل الفساد أحد أهم التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات، وهو عائق رئيسي أمام التنمية والإصلاح. في الكويت، كانت هناك مرحلة وُصفت بأنها حقبة فساد أثرت على البلاد بمختلف جوانبها، سواء على مستوى الإدارة أو الاقتصاد أو الخدمات العامة ومع دخول البلاد في مرحلة جديدة تهدف إلى الإصلاح والتنمية، تثار تساؤلات حول جدية هذه الجهود ومدى شموليتها.
يتفق الكثيرون على أن الفترة السابقة كانت مليئة بالممارسات التي أضرت بالبلاد والعباد حيث ساهم العديد من القيادات والمسؤولين في تعزيز الفساد بدلاً من محاربته. وكانت هناك مظاهر واضحة للفساد، منها سوء الإدارة، تضارب المصالح، ونهب الأموال العامة ومع انتقال البلاد إلى مرحلة يُفترض أنها مرحلة إصلاحية، يجب أن تكون هناك قرارات جريئة تُنهي أي وجود للقيادات التي شاركت أو دعمت أو حتى سكتت عن هذا الفساد.
يأتي الحديث هنا عن الشيخ أحمد مشعل الأحمد، الذي شغل منصب رئيس جهاز متابعة الأداء الحكومي منذ 4 سبتمبر 2012 وحتى اليوم، بالإضافة إلى مناصب أخرى، مثل نائب رئيس مؤسسة الموانئ الكويتية بين 2014 و2018. يطرح تساؤل حول مدى ملاءمته للاستمرار في منصبه في ظل المرحلة الجديدة، خاصة مع الشبهات التي تدور حوله بشأن تضارب المصالح.
وفقاً لقانون تضارب المصالح الكويتي رقم 13 لسنة 2018، الذي ينظم عمل المسؤولين في الدولة، تنص المادة (5) على أنه: "يحظر على أي موظف عام أن تكون له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال أو العقود أو المناقصات التي تنفذها الجهة التي يعمل بها، سواء باسمه أو باسم غيره، أو أن تكون له مصلحة مالية تتعارض مع واجباته الوظيفية". يهدف هذا القانون إلى ضمان الشفافية ومنع استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية وأي ارتباط بين المصالح الشخصية والمسؤوليات الحكومية يعد انتهاكاً صريحاً لهذا القانون، وهو ما يطرح علامات استفهام في حالة الشيخ أحمد مشعل الأحمد.
تُتهم شركة "كي جي إل"، التي يملك فيها الشيخ أحمد أو أقرباؤه أسهماً مباشرة أو غير مباشرة، بأنها خصم رئيسي لمؤسسة الموانئ الكويتية التي شغل فيها الشيخ منصباً قيادياً. هذه العلاقة تثير شبهات كبيرة حول كيفية السماح لشخص في موقع مسؤولية أن يكون له ارتباط بمصالح قد تتعارض مع مصلحة المؤسسة التي يعمل فيها.
تضارب المصالح ليست قضية سطحية، بل هو تهديد مباشر لمصداقية أي نظام إصلاحي. وفي الدول التي تحترم مبادئ الحوكمة، يُطلب من أي شخص في منصب قيادي التخلي عن أي ارتباطات مالية أو تجارية قد تؤثر على حياديته في اتخاذ القرارات.
المقدمة
يمارس جهاز متابعة الأداء الحكومي دوره في متابعة أداء الجهات الحكومية وفقاً للاختصاصات والصلاحيات الواردة في مرسوم إنشائه رقم 346 لسنة 2007. ومن المفترض أن يعمل الجهاز على تعزيز النزاهة والشفافية، ولكن هناك العديد من المخالفات التي شابت فترة تولي الشيخ أحمد مشعل الأحمد منصب رئيس الجهاز.
مهام الجهاز وأهدافه
متابعة أداء الجهات الحكومية والتزامها بتنفيذ القوانين والسياسات العامة للدولة.
التنسيق مع الوزراء لمتابعة تنفيذ القوانين وقرارات مجلس الوزراء.
دراسة تقارير ديوان المحاسبة واقتراح الآليات لمعالجة الملاحظات.
مراقبة المشاريع الحكومية وضمان تنفيذها ضمن الجداول الزمنية.
تتعدد المخالفات المنسوبة إلى الشيخ أحمد مشعل الأحمد والتي أثارت جدلاً واسعاً، منها:
تضارب المصالح: امتلاكه أو أقرباؤه أسهماً في شركة "كي جي ال"، التي كانت في نزاع مباشر مع مؤسسة الموانئ الكويتية، وهو يشغل منصب نائب رئيس المؤسسة آنذاك.
عدم الالتزام بقانون تضارب المصالح: بقاء الشيخ في منصبه رغم وجود ارتباطات مالية وتجارية قد تؤثر على نزاهته الوظيفية.
إهمال دوره الرقابي: بصفته رئيس جهاز متابعة الأداء الحكومي منذ 2012، تثار تساؤلات حول عدم اتخاذه خطوات حاسمة ضد قضايا فساد كبرى مثل قضية "كي جي ال".
الاستفادة من النفوذ العائلي: شغله مناصب قيادية دون محاسبة رغم ارتباطه بفترة وصفت بالفساد.
مخالفات زيادة رأس مال صندوق الموانئ
طلب زيادة رأس المال: طلبت شركة "كي جي ال" للاستثمار زيادة مساهمة مؤسسة الموانئ الكويتية بمبلغ 35 مليون دولار في 2013.
تنفيذ الزيادة رغم اعتراض الجهات الرقابية: شملت الجهات المعترضة ديوان المحاسبة، وزارة المالية، وإدارة الفتوى والتشريع.
النتيجة: ساهمت هذه الزيادة في دعم شركة تواجه قضايا وشبهات فساد منذ 2011.
استغلال أراضي الدولة دون مقابل
تعديات شركة "كي جي ال": استغلت شركة "كي جي ال" للمناولة ولوجستيك مليون متر مربع من أراضي الدولة دون وجه حق.
تأجير الأراضي: قامت الشركة بتأجير الأراضي من الباطن بمبالغ ضخمة دون عائد للدولة.
استغلال ميناء عبدالله: استغلت شركة "كي جي ال" مساحة بميناء عبدالله، وارتكبت مخالفات شملت سرقة الكهرباء وتعديات مالية تجاوزت 130 مليون دينار.
عقود مخالفة مع الجيش الأمريكي
تفاصيل العقود: استغلت شركة "كي جي ال" أراضي الدولة لتأجيرها كمستودعات للجيش الأمريكي بمقابل ضخم.
مخالفات الاستخدام: استخدمت خلافا للغرض المخصص للأراضي، مما حرم الدولة من العائد المالي المستحق.
خسائر مالية ضخمة
تفاصيل الخسائر:
ضياع 3.4 مليون دينار بسبب إعفاء شركة "كي جي ال" من دفع مقابل استغلال المساحات.
خسارة 1,072,656 دينار نتيجة تخصيص أراضٍ مباشرة دون طرحها في مزايدة.
مخالفات إدارية ومالية في مؤسسة الموانئ
محاولات تسوية قضايا الفساد: تقديم مقترحات بتسوية القضايا ضد شركة "كي جي ال"، تضمنت إنهاء القضايا مقابل دفع أموال مستحقة، رغم وجود أحكام وتقارير صادرة منذ 2012-2016.
إهدار أحكام قضائية: لم يتم استرداد مبالغ مالية مستحقة للدولة رغم وجود أحكام قضائية نهائية بقيمة تجاوزت 250 مليون دينار.
تقارير ديوان المحاسبة: ملاحظات متكررة دون إجراءات حاسمة!
مخالفات تقارير ديوان المحاسبة
تقرير 2014/2015:
استغلال أراضٍ في ميناء الشويخ وتأجيرها من الباطن دون موافقة الدولة.
فقدان 18 مليون دينار نتيجة تخصيص أراضٍ لشركة KGL بمبالغ زهيدة مقارنة بالقيمة السوقية.
عدم تحصيل رسوم الخدمات: بلغت قيمة الرسوم غير المحصلة على الكهرباء والماء 1.173 مليون دينار، بسبب عقود طويلة الأجل مع شركات مثل "كي جي ال".
المخالفات المتعلقة بالوظائف الإدارية والرقابية
الجمع بين وظيفتين حكوميتين: شغل الشيخ أحمد مشعل الأحمد الصباح منصبين، أحدهما رقابي (رئيس جهاز متابعة الأداء الحكومي) والآخر تنفيذي (عضو مجلس إدارة مؤسسة الموانئ الكويتية)، مما يتعارض مع مبادئ النزاهة.
الترسية على شركات مشبوهة: ترسية مزايدة بقيمة 50 مليون دينار على شركة "كي جي ال" رغم رفض ديوان المحاسبة.
عدم اتخاذ إجراءات رقابية: لم يتدخل الجهاز لمعالجة المخالفات، مما أدى إلى خسائر مالية فادحة وتفشي الفساد في مؤسسة الموانئ.
القضايا القضائية المرتبطة بشركة "كي جي ال"
قضايا اختلاس: تضمنت القضية رقم 1496/2012 حصر أموال عامة اختلاسات بقيمة 136 مليون دولار.
تهمة غسيل أموال: قضية رقم 2138/2020 شملت غسل أموال بقيمة مليون دينار.
اختلاس أموال صندوق الموانئ: اختلاس 400 مليون دولار و60 مليون دولار من صندوق الموانئ الاستثماري.
مخالفات شركة كي جي ال:
طلبت شركة "كي جي ال" للاستثمار زيادة رأس مال مؤسسة الموانئ الكويتية رغم وجود قضايا وشبهات ضد الشركة منذ 2011.
تخصيص أموال عامة لشركة "كي جي ال" دون مبرر قانوني، ما تسبب في خسائر مالية فادحة للدولة.
استيلاء شركات تابعة لـ"كي جي ال" على أراضٍ مملوكة للدولة واستغلالها بصورة مخالفة، ما أدى إلى خسارة الخزينة العامة ملايين الدنانير.
تقارير ديوان المحاسبة:
تكرار ملاحظات ديوان المحاسبة على تجاوزات "كي جي ال" دون اتخاذ إجراءات تصحيحية من قبل جهاز متابعة الأداء الحكومي.
تجاهل تقارير الفساد المالي والإداري المتعلقة بشركات "كي جي ال"، ما أضر بالمصلحة العامة.
تضارب المصالح:
وجود أقارب من الدرجة الأولى للشيخ أحمد ضمن مساهمي "كي جي ال"، ما أثار شبهات حول دعم الجهاز للشركة.
عدم إصدار تقارير رقابية أو اتخاذ إجراءات حاسمة ضد انتهاكات الشركات التابعة لـ "كي جي ال".
الأحكام القضائية:
صدور أحكام باتة ضد مسؤولي "كي جي ال" بالاختلاس والاستيلاء على الأموال العامة دون اتخاذ الجهاز لأي خطوات لمعالجة الوضع.
استغلال أراضٍ مملوكة للدولة لتأجيرها للجيش الأمريكي بمبالغ ضخمة دون عائد للدولة.
ضياع مبالغ ضخمة من المال العام بسبب غياب الرقابة الفعالة.
استمرار التجاوزات من قبل شركات "كي جي ال"، رغم صدور أحكام قضائية ضدها.
فقدان الثقة في جهاز متابعة الأداء الحكومي بسبب تهاونه مع المخالفات الجسيمة.
شركة "كي جي ال" متورطة في قضايا فساد كبرى داخل الكويت. من أبرز القضايا:
الأحكام القضائية: صدر حكم محكمة التمييز عام 2021 بسجن رئيس الشركة ونائبته واسترداد مئات الملايين من الدولارات لمؤسسة الموانئ الكويتية.
العلاقات المشبوهة: الشركة لم تنفِ علاقتها بإيران، مما يثير مخاوف بشأن تأثير ذلك على المصالح العليا لدولة الكويت، خاصة في ظل التوترات الإقليمية.
تمويل اللوبيات: مولت الشركة لوبي أمريكي بقيادة نيل بوش، ابن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، للضغط على الكويت لإطلاق سراح نائب رئيس الشركة المدانة، ماريا لازاريفا.
الممارسات غير القانونية: تصدت مؤسسة الموانئ بقيادة الشيخ يوسف العبدالله لهذه الشركة، لكن التساؤل يبقى حول كيفية استمرارها في العمل والحصول على عقود جديدة رغم الأحكام الصادرة ضدها.
إذا كانت الدولة جادة في الإصلاح، فلا بد من مواجهة القيادات الكبرى التي كانت جزءاً من حقبة الفساد. التحدي هنا ليس فقط في إزالة هذه القيادات، بل أيضاً في استبدالها بشخصيات ذات كفاءة ونزاهة لضمان نجاح المرحلة الإصلاحية. الدول التي نجحت في مكافحة الفساد، مثل سنغافورة أو رواندا، بدأت من القمة، حيث ركزت على تنظيف "رأس السلم" أولاً.
الإصلاح الحقيقي يتطلب مواجهة شاملة وشفافة للفساد بجميع أشكاله ومستوياته. لا يمكن للبلاد أن تدخل مرحلة جديدة من التنمية إذا استمرت القيادات التي كانت جزءاً من مرحلة الفساد في مواقعها. الشيخ أحمد مشعل الأحمد، وغيره من القيادات التي أثيرت حولها الشبهات، يمثلون اختباراً حقيقياً لجدية الكويت في مكافحة الفساد. إذا أرادت الكويت بناء مستقبل أفضل، فعليها أن تكون صارمة في محاسبة كل من أفسد، بغض النظر عن مكانته أو علاقاته.
في المرفقات: ملف يحتوي على الوثائق والأدلة المدعمة لهذا التقرير.