النائب عبدالله المضف بين خذلان الناخبين وصمت مريب في أزمة جمعية مشرف
تضارب المصالح وصمت النائب: خسائر انتخابية واتهامات ثقيلة
- المحرر د. عبدالله محمد الصالح
في زحمة الحياة اليومية، وفي أروقة الجمعيات التعاونية التي تُعَدُّ نبض المجتمعات المحلية، تطفو على السطح قضايا تُعرِّي ما كان مستورًا، وتكشف عن خلل يهدد تماسك المجتمعات الصغيرة. اليوم، نتوقف أمام واحدة من تلك القضايا التي هزّت الأوساط الاجتماعية والسياسية في الكويت، قضية جمعية مشرف التعاونية، والنائب عبدالله جاسم المضف، الذي أُثيرت حوله اتهامات بالتواطؤ والصمت إزاء مخالفات جلية.
في مطلع كل حكاية مثيرة للجدل، نجد تساؤلًا يعلو صوته فوق ضجيج التفاصيل: هل نحن أمام شجرة مثمرة ترمى بالحجارة، أم أمام جذور متعفنة تتطلب اقتلاعها؟ هذا التساؤل يقودنا إلى قلب الأزمة التي أثارت الجدل في الكويت مؤخرًا، حيث تحولت جمعية مشرف التعاونية إلى ساحة معركة رمزية بين الشفافية والفساد، بين العمل التعاوني النزيه والاستغلال المالي والإداري.
تأسست جمعية مشرف التعاونية لتكون نموذجًا للعمل الاجتماعي والاقتصادي التعاوني الذي يخدم سكان المنطقة. إلا أن السنوات الأخيرة حملت معها همسات عن مخالفات بدأت بالتراكم، حتى أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية تقريرًا يحتوي على 56 مخالفة مالية وإدارية. تجاوزات لم تكن بسيطة، بل شملت صرف مبالغ ضخمة بلا مستندات، التعاقد مع مشاهير برامج التواصل الاجتماعي بأموال طائلة، وإعدام كوبونات لفنادق ومصروفات دون موافقة مجلس الإدارة.
تلك المخالفات لم تكن مجرد أرقام على الورق؛ بل كانت صفعة على وجه المساهمين، الذين انتظروا أرباحًا مستحقة، ولم يجدوا سوى غموض يلف الإدارة. كيف يمكن لجمعية، كان يُضرب بها المثل في الكويت، أن تصل إلى هذا الحال؟
56 مخالفة تهز أروقة جمعية مشرف: الناخبون يسألون والمضف يلتزم الصمت
برز دور وزارة الشؤون الاجتماعية في هذه القضية كجهة رقابية رئيسية، بدأت برصد المخالفات وتحليل التقارير المالية والإدارية للجمعية. وعقب استكمال التحقيقات الأولية، أصدرت الوزارة تقريرًا شاملاً يتضمن 56 مخالفة تتعلق بالتجاوزات المالية والإدارية لسنة 2023.
تعاون الوزارة لم يتوقف عند إصدار التقرير، بل أُحيل الملف بأكمله إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. خطوة الإحالة هذه تعكس التزام الوزارة بتطبيق القانون دون استثناء، وإظهار جديتها في التعامل مع أي شبهة فساد. الإحالة إلى النيابة العامة تُعتبر إشارة واضحة إلى أن القضية لن تُغلق بمجرد إصدار تقرير، بل ستُتابع قانونيًا حتى تحديد المسؤوليات والمحاسبة.
ما يجعل هذه القضية أكثر تعقيدًا هو دور النائب عبدالله جاسم المضف، الذي بدا وكأنه يسير على خيط رفيع بين مصلحته الانتخابية وواجبه كممثل عن الشعب. العلاقة التي جمعته بمجلس إدارة جمعية مشرف لم تكن مجرد علاقة دعم سياسي؛ بل تشير بعض المصادر إلى استغلال مجلس الإدارة كمفاتيح انتخابية، حيث وفروا له قاعدة دعم قوية مقابل التغاضي عن تجاوزاتهم.
هذا التضارب في المصالح ألقى بظلاله الثقيلة على المشهد، خاصة وأن المضف لم يبادر بالدفاع عن نفسه عندما نُشرت حلقة برنامج الدكتور عبدالله الصالح التي فضحت فساد جمعية مشرف. كان هذا الصمت في ذروة موسم الانتخابات، وهو توقيت حساس لأي مرشح وعوضًا عن مواجهة الاتهامات، اختار النائب المضف التزام الصمت، ما أدى إلى خسارته 1100 صوت بعد بث الحلقة.
جمعية مشرف: شبهة غسيل أموال بملايين الدنانير وتخاذل سياسي لافت
مع إحالة القضية إلى النيابة العامة، تطورت تفاصيلها لتكشف عن شبهة غسيل أموال بملايين الدنانير. هذه الشبهة أضافت بُعدًا جديدًا إلى القضية، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على مخالفات إدارية ومالية بسيطة. الأموال التي تم هدرها واستخدامها بطرق غير مشروعة دفعت النيابة إلى فتح تحقيقات معمقة حول مسارات تلك الأموال، وما إذا كانت تُستخدم في عمليات غسيل أموال على نطاق واسع.
ورغم ضخامة الاتهامات وخطورة القضية، لم يتحرك النائب عبدالله جاسم المضف للدفاع عن أموال المساهمين في جمعية مشرف. هذا الصمت المتكرر طرح تساؤلات حول مدى ارتباطه بمجلس الإدارة، وما إذا كان هذا الارتباط قد منعه من اتخاذ خطوات جدية لحماية حقوق المساهمين.
لعل أبرز ما ورد في تقرير وزارة الشؤون هو الفوضى المالية والإدارية التي وُثِّقت بالتفصيل:
كل هذه التجاوزات وضعت الجمعية والنائب المضف في موقف لا يُحسد عليه، خاصة مع مطالبة السكان بالكشف عن حقيقة تلك المصروفات، واسترجاع أموالهم التي أُهدرت دون مبرر.
وسط هذا المشهد المأزوم، ارتفع صوت المساهمين الذين طالبوا بوضوح بالمحاسبة واسترجاع حقوقهم وتعليقاتهم على وسائل التواصل كانت تعكس إحباطًا عميقًا والبعض تساءل عن الأرباح التي تأخرت بلا مبرر، والبعض الآخر أبدى استياءه من التركيز على مظاهر الدعاية والإنفاق البذخي بدلًا من تقديم خدمات تعود بالفائدة على المساهمين.
ناخبون غاضبون: خذلان المضف يكلفه أصواتًا في الانتخابات
في نهاية المطاف، لم يكن صمت النائب عبدالله جاسم المضف تجاه قضية جمعية مشرف مجرد موقف عابر، بل كان انعكاسا لانحياز واضح لمصلحته الانتخابية على حساب أموال المساهمين. حين أُحيلت القضية إلى النيابة بتهمة غسيل أموال بملايين الدنانير، لم يُظهر المضف أي نية للدفاع عن حقوق الناخبين الذين وثقوا به.
خذلان المضف لناخبيه لم يكن فقط في صمته، بل في تجاهله لمطالبات المساهمين بمعرفة مصير أموالهم. هذا الموقف، الذي جاء في لحظة حساسة خلال موسم الانتخابات، أسهم بشكل مباشر في خسارته 1100 صوت. الناخبون الذين كانوا يأملون في ممثل يدافع عن حقوقهم وجدوا أنفسهم أمام نائب اختار البقاء صامتا، مما زاد من خيبة أملهم وأكد ضرورة إعادة التفكير في اختياراتهم المستقبلية.
في المرفقات: التقرير النهائي عن مخالفات جمعية مشرف 2023